رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )
قائلا
(إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ)
قال موسى كلمته واندفع نحوهما يريد البطش بالمصري
واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش به هو
دفعه الخوف من موسى عليه السلام إلى استرحامه صارخا
وذكّره بالمصري الذي قتله بالأمس
فتوقف موسى عليه السلام
سكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس
وكيف استغفر وتاب ووعد ألا يكون نصيرا للمجرمين
استدار موسى عليه السلام عائدا
ومضى وهو يستغفر ربه.
وأدرك المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي
أن موسى عليه السلام هو قاتل المصري
الذي عثروا على جثته أمس
ولم يكن أحد من المصررين يعلم من القاتل
فنشر هذا المصري الخبر في أرجاء المدينة
وانكشف سر موسى عليه السلام
وظهر أمره..
وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا
ونصح موسى عليه السلام بالخروج من مصر
لأن المصريين ينوون قلته
لم يذكر القرآن الكريم اسم الرجل الذي
جاء يحذر موسى عليه السلام
يعرف الرجل أن موسى عليه السلام
لم يكن يستحق القتل على ذنبه بالأمس..
لكن رؤساء القوم وعليتهم
الذين يبدوا أنهم كانوا يكرهون موسى عليه السلام
لأنه من بني إسرائيل
ولأنه نجى من العام الذي يقتل فيه كل مولود ذكر
وجدوا هذه الفرصة مناسبة للتخلص من موسى
فهو قاتل المصري
لذا فهو يستحق القتل.
خرج موسى عليه السلام من مصر على الفور
خائفا يتلفت ويتسمع ويترقب
في قلبه دعاء لله
(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
وكان القوم ظالمين حقا
خرج موسى عليه السلام من مصر على عجل
لم يذهب إلى قصر فرعون ولم يغير ملابسه
ولم يأخذ طعاما للطريق ولم يعد للسفر عدته
لم يكن معه دابة تحمله على ظهرها وتوصله
ولم يكن في قافلة
إنما خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن
وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج
اختار طريقا غير مطروق وسلكه
دخل في الصحراء مباشرة واتجه إلى حيث قدرت
له العناية الإلهية أن يتجه
لم يكن موسى عليه السلام يسير قاصدا مكانا معينا
هذه أول مرة يخرج فيها ويعبر الصحراء وحده.
ظل يسير بنفسية المطارد حتى وصل إلى مكان
كان هذا المكان هو مدين
جلس يرتاح عند بئر عظيمة يسقي الناس منها دوابهم
وكان خائفا طوال الوقت
أن يرسل فرعون من وراءه من يقبض عليه
لم يكد موسى عليه السلام يصل إلى مدين
حتى ألقى بنفسه تحت شجرة واستراح
نال منه الجوع والتعب
وسقطت نعله بعد أن ذابت من مشقة السير
على الرمال والصخور والتراب
لم تكن معه نقود لشراء نعل جديدة
ولم تكن معه نقود لشراء طعام أو شراب
لاحظ موسى عليه السلام جماعة
من الرعاة يسقون غنمهم
ووجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم
أحس موسى عليه السلام
بما يشبه الإلهام أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة
تقدم منهما وسأل هل يستطيع أن يساعدهما
في شيء
قالت إحداهما
نحن ننتظر أن ينتهي الرعاة من سقي غنمهم
لنسقي.
سأل موسى عليه السلام ولماذا لا تسقيان؟
قالت الأخرى
لا نستطيع أن نزاحم الرجال.
اندهش موسى لأنهما ترعيان الغنم
المفروض أن يرعى الرجال الأغنام
هذه مهمة شاقة ومتعبة وتحتاج إلى اليقظة
سأل موسى عليه السلام
لماذا ترعيان الغنم؟
فقالت واحدة منهما
أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج
كل يوم للرعي.
فقال موسى عليه السلام
سأسقي لكما.
سار موسى عليه السلام
نحو الماء وسقى لهم الغنم مع بقية الرعاة
وفي رواية أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر
بعد أن انتهوا منها صخرة ضخمة
لا يستطيع أن يحركها غير عدد من الرجال
فرفع موسى الصخرة وحده
وسقى لهما الغنم وأعاد الصخرة إلى مكانها
وتركهما وعاد يجلس تحت ظل الشجرة
وتذكر لحظتها الله وناداه في قلبه
(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)
عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ
سأل الأب
عدتما اليوم سريعا على غير العادة؟!
قالت إحداهما
تقابلنا مع رجل كريم سقى لنا الغنم.
فقال الأب لابنته
اذهبي إليه وقولي له
(إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ)
ليعطيك
(أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)
ذهبت واحدة من الفتاتين إلى موسى عليه السلام
ووقفت أمامه وأبلغته رسالة أبيها
فنهض موسى عليه السلام وبصره في الأرض
إنه لم يسق لهما الغنم ليأخذ منهن أجرا
وإنما ساعدهما لوجه الله
غير أنه أحس في داخله أن الله هو الذي
يوجه قدميه فنهض.
سارت البنت أمامه
هبت الرياح فضربت ثوبها فخفض موسى بصره
حياء وقال لها
سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق.
وصلا إلى الشيخ
قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو النبي شعيب
عمر طويلا بعد موت قومه
وقيل إنه ابن أخي شعيب
وقيل ابن عمه
وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به
لا نعرف أكثر من كونه شيخا صالحا.
قدم له الشيخ الطعام وسأله
من أين قدم وإلى أين سيذهب؟
حدثه موسى عليه السلام عن قصته
قال الشيخ
(لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
هذه البلاد لا تتبع مصر
ولن يصلوا إليك هنا
اطمأن موسى عليه السلام ونهض لينصرف.
قالت ابنة الشيخ لأبيها همسا
(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)
سألها الأب
كيف عرفت أنه قوي؟
قالت
رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عدد رجال.
سألها
وكيف عرفت أنه أمين؟
قالت
رفض أن يسير خلفي وسار أمامي
حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي
وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه
في الأرض حياء وأدبا
وعاد الشيخ لموسى عليه السلام
وقال له
أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي
على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات
فإن أتممت عشر سنوات
فمن كرمك
لا أريد أن أتعبك
(سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)
قال موسى عليه السلام هذا اتفاق بيني وبينك
والله شاهد على اتفاقنا
سواء قضيت السنوات الثمانية
أو العشر سنوات فأنا حر بعدها في الذهاب
يخوض الكثيرون في تيه من الأقاصيص والروايات حول أي ابنتي الشيخ تزوج
وأي المدتين قضى
والثابت أن موسى عليه السلام
تزوج إحدى ابنتي الشيخ
لا نعرف من كانت
ولا ماذا كان اسمها
وهذه الأمور سكت عنها السياق القرآني
إلا أنه استنادا إلى طبيعة موسى عليه السلام
وكرمه ونبوته وكونه من أولي العزم
نرى أنه قضى الأجل الأكبر
وهذا ما يؤكده حديث ابن عباس رضي الله عنهما
وهكذا عاش موسى عليه السلام يخدم الشيخ عشر سنوات كاملة
وكان عمل موسى عليه السلام
ينحصر في الخروج مع الفجر
كل يوم لرعي الأغنام والسقاية لها
ولنقف هنا وقفة تدبر
إن قدرة الإلهية نقلت خطى موسى عليه السلام
خطوة بخطوة
منذ أن كان رضيعا في المهد حتى هذه اللحظة
ألقت به في اليم ليلتقطه آل فرعون
وألقت عليه محبة زوجة فرعون لينشأ
في كنف عدوّه
ودخلت به المدينة على حين غفلة من أهلها
ليقتل نفسا
وأرسلت إليه بالرجل المؤمن من آل فرعون
ليحذره وينصحه بالخروج من مصر
وصاحبته في الطريق الصحراوي من مصر
إلى مدين وهو وحيد مطارد من غير زاد
ولا استعداد
وجمعته بالشيخ الكبير ليأجره هذه السنوات العشر
ثم ليعود بعدها فيتلقى التكليف.
هذا خط طويل من الرعاية والتوجيه
قبل النداء والتكليف
تجربة الرعاية والحب والتدليل
تجربة الاندفاع تحت ضغط الغيظ الحبيس
وتجربة الندم والاستغفار
وتجربة الخوف والمطاردة
وتجربة الغربة والوحدة والجوع
وتجربة الخدمة ورغي الغنم بعد حياة القصور
وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من تجارب صغيرة
ومشاعر وخواطر
وإدراك ومعرفة إلى جانب ما آتاه الله
حين بلغ أشده من العلم والحكمة
إن الرسالة تكليف ضخم شاق
يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة
إلى جانب وحي الله وتوجيهه
ورسالة موسى عليه السلام تكليف عظيم
فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبر
أعتى ملوك الأرض في زمانه
وأشدهم استعلاء في الأرض
وهو مرسل لاستنقاذ قوم قد شربوا من كؤوس
الذل حتى استمرأوا مذاقه
فاستنقاذ قوم كهؤلاء عمل شاق عسير.
فتجربة السنوات العشر جاءت لتفصل بين حياة القصور
التي نشأ فيها موسى عليه السلام
وحياة الجهد الشاق في الدعوة وتكاليفها العسيرة
فلحياة القصور جوا وتقاليد خاصة
أما الرسالة فهي معاناة لجماهير من الناس
فيهم الغني والفقير، المهذب والخشن، القوي
والضعيف وفيهم وفيهم.
وللرسالة تكاليفها من المشقة ومن التجرد أحيانا
وقلوب أهل القصور في الغالب
لا تصبر طويلا على الخشونة والحرمان والمشقة.
فلما استكملت نفس موسى عليه السلام تجاربها
وأكملت مرانها بهذه التجربة الأخيرة
ترى أي خاطر راود موسى عليه السلام
فعاد به إلى مصر بعد انقضاء الأجل
وقد خرج منها خائفا يترقب
وأنساه الخطر الذي ينتظره بها
وقد قتل فيها نفسا
وهناك فرعون الذي كان يتآمر مع الملأ
من قومه ليقتلوه
إنها قدرة الله التي تنقل خطاه كلها.
لعلها قادته هذه المرة بالميل الفطري إلى الأهل والعشيرة والوطن
وأنسته الخطر الذي خرج هاربا منه وحيدا طريدا
ليؤدي المهمة التي خلق لها
خرج موسى مع أهله وسار
اختفى القمر وراء أسراب من السحاب الكثيف
وساد الظلام
اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء
وزادت حدة البرد والظلام
وتاه موسى عليه السلام أثناء سيره
ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله..
ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد
امتلأ قلبه بالفرح فجأة
قال لأهله
أني رأيت نارا هناك.
أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار
لعله يأتيهم منها بخبر
أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه
أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.
وتحرك موسى عليه السلام نحو النار.
سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه
يده اليمنى تمسك عصاه
جسده مبلل من المطر
ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى.
لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي
لم يكن هناك برد ولا رياح
ثمة صمت عظيم ساكن
واقترب موسى من النار
لم يكد يقترب منها حتى نودي
(أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء
كلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة
والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود
وهي تحترق...
لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد
كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه
وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى
ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة
والله عز وجل ينادي
يَا مُوسَى
فأجاب موسى
نعم.
قال الله عز وجل
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ
ازداد ارتعاش موسى
وقال نعم يا رب
قال الله عز وجل
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.
عاد الحق سبحانه وتعالى يقول
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى
زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه.
قال الرحمن الرحيم
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى
ازدادت دهشة موسى
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه
والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه
لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه
لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك
أجاب موسى
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا
وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
قال الله عز وجل
أَلْقِهَا يَا مُوسَى
رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته
وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان
عظيم الحجم هائل الجسم
وراح الثعبان يتحرك بسرعة
ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه
أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف
فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري
لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله
يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ.
عاد موسى عليه السلام يستدير ويقف
لم تزل العصا تتحرك
لم تزل الحية تتحرك
قال الله سبحانه وتعالى لموسى
خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى
مد موسى يده للحية وهو يرتعش
لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا
عاد الأمر الإلهي يصدر له
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ
وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا
هي تتلألأ كالقمر
زاد انفعال موسى عليه السلام بما يحدث
وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..
اطمأن موسى عليه السلام وسكت.
وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين
معجزة العصا
ومعجزة اليد
أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين
ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر
وأبدى موسى عليه السلام خوفه من فرعون
قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه
توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون
طمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى
وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء
أفهم الله موسى عليه السلام أنه هو الغالب
ودعا موسى عليه السلام
وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره
ويمنحه القدرة على الدعوة إليه
ثم راجع لأهله بعد اصطفاء الله واختياره رسولا
إلى فرعون
انحدر موسى عليه السلام بأهله قاصدا مصر.
جاءت الأوقات الصعبة
وها هو ذا موسى عليه السلام
يحمل أمانة الحق ويمضي ليواجه بها
بطش أعظم جبابرة عصره وأعتاهم.
يعلم موسى عليه السلام
أن فرعون مصر طاغية
يعلم أنه سيقف من دعوته موقف الإنكار والكبرياء والتجاهل
لقد أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون
أن يدعوه بلين ورفق إلى الله
أوحى الله لموسى عليه السلام
أن فرعون لن يؤمن
ليدعه موسى وشأنه
وليركز على إطلاق سراح بني إسرائيل
والكف عن تعذيبهم
قال تعالى لموسى وهارون
(فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ)
هذه هي المهمة المحددة
وهي مهمة سوف تصطدم بآلاف العقبات
إن فرعون يعذب بني إسرائيل ويستعبدهم
ويكلفهم من الأعمال ما لا طاقة لهم به
ويستحيي نسائهم
ويذبح أبنائهم
ويتصرف فيهم كما لو كانوا ملكا خاصا ورثه مع ملك مصر.
يعلم موسى عليه السلام
أن النظام المصري يقوم في بنيانه الأساسي
على استعباد بني إسرائيل واستغلال عملهم
وجهدهم وطاقاتهم في الدولة
فهل يفرط فرعون في بناء الدولة الأساسي ببساطة ويسر
ذهبت الأفكار وجاءت
فاختصرت مشقة الطريق
ورفع الستار عن مشهد المواجهة
قائلا
(إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ)
قال موسى كلمته واندفع نحوهما يريد البطش بالمصري
واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش به هو
دفعه الخوف من موسى عليه السلام إلى استرحامه صارخا
وذكّره بالمصري الذي قتله بالأمس
فتوقف موسى عليه السلام
سكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس
وكيف استغفر وتاب ووعد ألا يكون نصيرا للمجرمين
استدار موسى عليه السلام عائدا
ومضى وهو يستغفر ربه.
وأدرك المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي
أن موسى عليه السلام هو قاتل المصري
الذي عثروا على جثته أمس
ولم يكن أحد من المصررين يعلم من القاتل
فنشر هذا المصري الخبر في أرجاء المدينة
وانكشف سر موسى عليه السلام
وظهر أمره..
وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا
ونصح موسى عليه السلام بالخروج من مصر
لأن المصريين ينوون قلته
لم يذكر القرآن الكريم اسم الرجل الذي
جاء يحذر موسى عليه السلام
يعرف الرجل أن موسى عليه السلام
لم يكن يستحق القتل على ذنبه بالأمس..
لكن رؤساء القوم وعليتهم
الذين يبدوا أنهم كانوا يكرهون موسى عليه السلام
لأنه من بني إسرائيل
ولأنه نجى من العام الذي يقتل فيه كل مولود ذكر
وجدوا هذه الفرصة مناسبة للتخلص من موسى
فهو قاتل المصري
لذا فهو يستحق القتل.
خرج موسى عليه السلام من مصر على الفور
خائفا يتلفت ويتسمع ويترقب
في قلبه دعاء لله
(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
وكان القوم ظالمين حقا
خرج موسى عليه السلام من مصر على عجل
لم يذهب إلى قصر فرعون ولم يغير ملابسه
ولم يأخذ طعاما للطريق ولم يعد للسفر عدته
لم يكن معه دابة تحمله على ظهرها وتوصله
ولم يكن في قافلة
إنما خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن
وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج
اختار طريقا غير مطروق وسلكه
دخل في الصحراء مباشرة واتجه إلى حيث قدرت
له العناية الإلهية أن يتجه
لم يكن موسى عليه السلام يسير قاصدا مكانا معينا
هذه أول مرة يخرج فيها ويعبر الصحراء وحده.
ظل يسير بنفسية المطارد حتى وصل إلى مكان
كان هذا المكان هو مدين
جلس يرتاح عند بئر عظيمة يسقي الناس منها دوابهم
وكان خائفا طوال الوقت
أن يرسل فرعون من وراءه من يقبض عليه
لم يكد موسى عليه السلام يصل إلى مدين
حتى ألقى بنفسه تحت شجرة واستراح
نال منه الجوع والتعب
وسقطت نعله بعد أن ذابت من مشقة السير
على الرمال والصخور والتراب
لم تكن معه نقود لشراء نعل جديدة
ولم تكن معه نقود لشراء طعام أو شراب
لاحظ موسى عليه السلام جماعة
من الرعاة يسقون غنمهم
ووجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم
أحس موسى عليه السلام
بما يشبه الإلهام أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة
تقدم منهما وسأل هل يستطيع أن يساعدهما
في شيء
قالت إحداهما
نحن ننتظر أن ينتهي الرعاة من سقي غنمهم
لنسقي.
سأل موسى عليه السلام ولماذا لا تسقيان؟
قالت الأخرى
لا نستطيع أن نزاحم الرجال.
اندهش موسى لأنهما ترعيان الغنم
المفروض أن يرعى الرجال الأغنام
هذه مهمة شاقة ومتعبة وتحتاج إلى اليقظة
سأل موسى عليه السلام
لماذا ترعيان الغنم؟
فقالت واحدة منهما
أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج
كل يوم للرعي.
فقال موسى عليه السلام
سأسقي لكما.
سار موسى عليه السلام
نحو الماء وسقى لهم الغنم مع بقية الرعاة
وفي رواية أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر
بعد أن انتهوا منها صخرة ضخمة
لا يستطيع أن يحركها غير عدد من الرجال
فرفع موسى الصخرة وحده
وسقى لهما الغنم وأعاد الصخرة إلى مكانها
وتركهما وعاد يجلس تحت ظل الشجرة
وتذكر لحظتها الله وناداه في قلبه
(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)
عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ
سأل الأب
عدتما اليوم سريعا على غير العادة؟!
قالت إحداهما
تقابلنا مع رجل كريم سقى لنا الغنم.
فقال الأب لابنته
اذهبي إليه وقولي له
(إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ)
ليعطيك
(أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)
ذهبت واحدة من الفتاتين إلى موسى عليه السلام
ووقفت أمامه وأبلغته رسالة أبيها
فنهض موسى عليه السلام وبصره في الأرض
إنه لم يسق لهما الغنم ليأخذ منهن أجرا
وإنما ساعدهما لوجه الله
غير أنه أحس في داخله أن الله هو الذي
يوجه قدميه فنهض.
سارت البنت أمامه
هبت الرياح فضربت ثوبها فخفض موسى بصره
حياء وقال لها
سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق.
وصلا إلى الشيخ
قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو النبي شعيب
عمر طويلا بعد موت قومه
وقيل إنه ابن أخي شعيب
وقيل ابن عمه
وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به
لا نعرف أكثر من كونه شيخا صالحا.
قدم له الشيخ الطعام وسأله
من أين قدم وإلى أين سيذهب؟
حدثه موسى عليه السلام عن قصته
قال الشيخ
(لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
هذه البلاد لا تتبع مصر
ولن يصلوا إليك هنا
اطمأن موسى عليه السلام ونهض لينصرف.
قالت ابنة الشيخ لأبيها همسا
(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)
سألها الأب
كيف عرفت أنه قوي؟
قالت
رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عدد رجال.
سألها
وكيف عرفت أنه أمين؟
قالت
رفض أن يسير خلفي وسار أمامي
حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي
وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه
في الأرض حياء وأدبا
وعاد الشيخ لموسى عليه السلام
وقال له
أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي
على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات
فإن أتممت عشر سنوات
فمن كرمك
لا أريد أن أتعبك
(سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)
قال موسى عليه السلام هذا اتفاق بيني وبينك
والله شاهد على اتفاقنا
سواء قضيت السنوات الثمانية
أو العشر سنوات فأنا حر بعدها في الذهاب
يخوض الكثيرون في تيه من الأقاصيص والروايات حول أي ابنتي الشيخ تزوج
وأي المدتين قضى
والثابت أن موسى عليه السلام
تزوج إحدى ابنتي الشيخ
لا نعرف من كانت
ولا ماذا كان اسمها
وهذه الأمور سكت عنها السياق القرآني
إلا أنه استنادا إلى طبيعة موسى عليه السلام
وكرمه ونبوته وكونه من أولي العزم
نرى أنه قضى الأجل الأكبر
وهذا ما يؤكده حديث ابن عباس رضي الله عنهما
وهكذا عاش موسى عليه السلام يخدم الشيخ عشر سنوات كاملة
وكان عمل موسى عليه السلام
ينحصر في الخروج مع الفجر
كل يوم لرعي الأغنام والسقاية لها
ولنقف هنا وقفة تدبر
إن قدرة الإلهية نقلت خطى موسى عليه السلام
خطوة بخطوة
منذ أن كان رضيعا في المهد حتى هذه اللحظة
ألقت به في اليم ليلتقطه آل فرعون
وألقت عليه محبة زوجة فرعون لينشأ
في كنف عدوّه
ودخلت به المدينة على حين غفلة من أهلها
ليقتل نفسا
وأرسلت إليه بالرجل المؤمن من آل فرعون
ليحذره وينصحه بالخروج من مصر
وصاحبته في الطريق الصحراوي من مصر
إلى مدين وهو وحيد مطارد من غير زاد
ولا استعداد
وجمعته بالشيخ الكبير ليأجره هذه السنوات العشر
ثم ليعود بعدها فيتلقى التكليف.
هذا خط طويل من الرعاية والتوجيه
قبل النداء والتكليف
تجربة الرعاية والحب والتدليل
تجربة الاندفاع تحت ضغط الغيظ الحبيس
وتجربة الندم والاستغفار
وتجربة الخوف والمطاردة
وتجربة الغربة والوحدة والجوع
وتجربة الخدمة ورغي الغنم بعد حياة القصور
وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من تجارب صغيرة
ومشاعر وخواطر
وإدراك ومعرفة إلى جانب ما آتاه الله
حين بلغ أشده من العلم والحكمة
إن الرسالة تكليف ضخم شاق
يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة
إلى جانب وحي الله وتوجيهه
ورسالة موسى عليه السلام تكليف عظيم
فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبر
أعتى ملوك الأرض في زمانه
وأشدهم استعلاء في الأرض
وهو مرسل لاستنقاذ قوم قد شربوا من كؤوس
الذل حتى استمرأوا مذاقه
فاستنقاذ قوم كهؤلاء عمل شاق عسير.
فتجربة السنوات العشر جاءت لتفصل بين حياة القصور
التي نشأ فيها موسى عليه السلام
وحياة الجهد الشاق في الدعوة وتكاليفها العسيرة
فلحياة القصور جوا وتقاليد خاصة
أما الرسالة فهي معاناة لجماهير من الناس
فيهم الغني والفقير، المهذب والخشن، القوي
والضعيف وفيهم وفيهم.
وللرسالة تكاليفها من المشقة ومن التجرد أحيانا
وقلوب أهل القصور في الغالب
لا تصبر طويلا على الخشونة والحرمان والمشقة.
فلما استكملت نفس موسى عليه السلام تجاربها
وأكملت مرانها بهذه التجربة الأخيرة
ترى أي خاطر راود موسى عليه السلام
فعاد به إلى مصر بعد انقضاء الأجل
وقد خرج منها خائفا يترقب
وأنساه الخطر الذي ينتظره بها
وقد قتل فيها نفسا
وهناك فرعون الذي كان يتآمر مع الملأ
من قومه ليقتلوه
إنها قدرة الله التي تنقل خطاه كلها.
لعلها قادته هذه المرة بالميل الفطري إلى الأهل والعشيرة والوطن
وأنسته الخطر الذي خرج هاربا منه وحيدا طريدا
ليؤدي المهمة التي خلق لها
خرج موسى مع أهله وسار
اختفى القمر وراء أسراب من السحاب الكثيف
وساد الظلام
اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء
وزادت حدة البرد والظلام
وتاه موسى عليه السلام أثناء سيره
ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله..
ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد
امتلأ قلبه بالفرح فجأة
قال لأهله
أني رأيت نارا هناك.
أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار
لعله يأتيهم منها بخبر
أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه
أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.
وتحرك موسى عليه السلام نحو النار.
سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه
يده اليمنى تمسك عصاه
جسده مبلل من المطر
ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى.
لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي
لم يكن هناك برد ولا رياح
ثمة صمت عظيم ساكن
واقترب موسى من النار
لم يكد يقترب منها حتى نودي
(أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء
كلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة
والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود
وهي تحترق...
لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد
كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه
وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى
ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة
والله عز وجل ينادي
يَا مُوسَى
فأجاب موسى
نعم.
قال الله عز وجل
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ
ازداد ارتعاش موسى
وقال نعم يا رب
قال الله عز وجل
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.
عاد الحق سبحانه وتعالى يقول
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى
زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه.
قال الرحمن الرحيم
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى
ازدادت دهشة موسى
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه
والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه
لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه
لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك
أجاب موسى
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا
وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
قال الله عز وجل
أَلْقِهَا يَا مُوسَى
رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته
وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان
عظيم الحجم هائل الجسم
وراح الثعبان يتحرك بسرعة
ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه
أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف
فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري
لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله
يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ.
عاد موسى عليه السلام يستدير ويقف
لم تزل العصا تتحرك
لم تزل الحية تتحرك
قال الله سبحانه وتعالى لموسى
خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى
مد موسى يده للحية وهو يرتعش
لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا
عاد الأمر الإلهي يصدر له
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ
وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا
هي تتلألأ كالقمر
زاد انفعال موسى عليه السلام بما يحدث
وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..
اطمأن موسى عليه السلام وسكت.
وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين
معجزة العصا
ومعجزة اليد
أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين
ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر
وأبدى موسى عليه السلام خوفه من فرعون
قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه
توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون
طمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى
وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء
أفهم الله موسى عليه السلام أنه هو الغالب
ودعا موسى عليه السلام
وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره
ويمنحه القدرة على الدعوة إليه
ثم راجع لأهله بعد اصطفاء الله واختياره رسولا
إلى فرعون
انحدر موسى عليه السلام بأهله قاصدا مصر.
جاءت الأوقات الصعبة
وها هو ذا موسى عليه السلام
يحمل أمانة الحق ويمضي ليواجه بها
بطش أعظم جبابرة عصره وأعتاهم.
يعلم موسى عليه السلام
أن فرعون مصر طاغية
يعلم أنه سيقف من دعوته موقف الإنكار والكبرياء والتجاهل
لقد أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون
أن يدعوه بلين ورفق إلى الله
أوحى الله لموسى عليه السلام
أن فرعون لن يؤمن
ليدعه موسى وشأنه
وليركز على إطلاق سراح بني إسرائيل
والكف عن تعذيبهم
قال تعالى لموسى وهارون
(فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ)
هذه هي المهمة المحددة
وهي مهمة سوف تصطدم بآلاف العقبات
إن فرعون يعذب بني إسرائيل ويستعبدهم
ويكلفهم من الأعمال ما لا طاقة لهم به
ويستحيي نسائهم
ويذبح أبنائهم
ويتصرف فيهم كما لو كانوا ملكا خاصا ورثه مع ملك مصر.
يعلم موسى عليه السلام
أن النظام المصري يقوم في بنيانه الأساسي
على استعباد بني إسرائيل واستغلال عملهم
وجهدهم وطاقاتهم في الدولة
فهل يفرط فرعون في بناء الدولة الأساسي ببساطة ويسر
ذهبت الأفكار وجاءت
فاختصرت مشقة الطريق
ورفع الستار عن مشهد المواجهة