
''أسلوب أدبي جميل عرفه العرب و تفننوا فيه و لا سيما في العصر العباسي و هو أسلوب :المقامة: التي تحاكي قصص الإحتيال و الكدية بإسلوب فكاهي و من أشهرها المقامة البغدادية حيث يروي صاحبها فيقول:
حدثنا عيسى بن هشام، قال: اشتهيت الأزاذ، وأنا ببغداد، وليس معي عقد على نقد، فخرجت أنتهز محالة حتى أحلني الكرخ،فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره، ويطرف بالعقد إزاره، فقلت: ظفرنا والله بصيد، وحياك الله أبا زيد، من أين قلت؟ وأين نزلت؟ ومتى وافيت؟ و هلم إلى البيت، فقال السوادي: لست بأبي زيد، ولكني أبو عبيد. فقلت: نعم، لعن الله الشيطان، وأبعد النسيان، أنسانيك طول العهد، واتصال البعد، فكيف حال أبيك؟ أ شاب كعهدي، أم شاب بعدي؟ قال: قد نبت الربيع على دمنته، وأرجو أن يصيره الله إلى جنته، فقلت؟ '' إنا لله وإنا إليه راجعون''، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومددت يد البدار إلى الصدار أريد تمزيقه، فقبض السوادي على خصري بجمعه، وقال: أنشدتك الله لا مزقته فقلت: هلم إلى البيت نصب غداء، أو إلى السوق نشتر شواء، والسوق أقرب، وطعامه أطيب، فاستفزته حمة الفرم، وعطفته عاطفة اللقم، وطمع، ولم يعلم أنه وقع.
ب- ثم أتينا شواء يتقاطر شواؤه عرقا، وتتسايل جوذاباته مرقا، فقلت: أفرز لأبي زيد من هذا الشواء، ثم زن له من تلك الحلواء، واختر له من تلك الأطباق، وانضد عليها أوراق الرقاق، ورش عليها شيئا من ماء السماق، ليأكله أبو زيد هنيا، فانحنى الشواء بساطوره على زبدة تنوره، فجعلها كالكحل سحقا، وكالطحن دقا، ثم جلس وجلست، ولا نبس ولا نبست. حتى استوفيناه، وقلت لصاحب الحلوى: زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين. فهو أجرى في الحلوق وأمضى في العروق، وليكن ليلي العمر، يومي النشر، رقيق القشر، كثيف الحشو، لؤلؤي الدهن، كوكبي اللون، يذوب كالصمغ، قبل المضغ، ليأكله أبو زيد هنيئا، قال: فوزنه، ثم قعد وقعدت، وجرد وجردت، حتى استوفيناه، ثم قلت: يا أبا زيد ما أحوجنا إلى ماء يشعشع بالثلج ليقمع هذه الصارة، ويفتأ هذه اللقم، اجلس يا أبا زيد حتى آتيك بسقاء، يأتيك بشربة ماء.
جـ - ثم خرجت وجلست بحيث أراه ولا يراني، أنظر ما يصنع، فلما أبطأت عليه قام السوادي إلى حماره، فاعتلق الشواء بإزاره، وقال: أين ثمن ما أكلت؟ فقال أبو زيد: أكلته ضيفا، فلكمه لكمة، وثنى عليه بلطمة، ثم قال الشواء: هاك! ومتى دعوناك؟ زن يا أخا القحة عشريـن! فجعل السوادي يبكي ويحل عقده بأسنانه ويقـول: كم قلت لذلك القريــد: أنا أبو عبيد، وهو يقول أنت أبو زيد:
فأنشـدت:
أعمـل لرزقـك كـل آلــة لا تقعـدن بـذل حالـــه
وانهــض بكــل عزيمــة فالمــرء يعجـز لا محالــه
مع أطيب الأمنيات
.gif)