متى يكون الداعي إلى الله على سبيل النبي صلى الله عليه وسلم؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ﴾ (يوسف:108).
هذه الآية من جوامع الآيات الدالة على المعالم الرئيسة للدعوة الصادقة إلى الله تعالى، فكل مسلم تدفعه نفسه شرفاً وطلبا إلى الانتماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتبعيته، ولكنّ هذه الآية رسمت خطاً لمن كان صادقاً في دعوى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وتقوم هذه الخطة على طرفين مهمين مترابطين لا ينفك أحدهما عن الآخر:
الطرف الأول: من قوله تعالى: ﴿ أَدْعُو إِلَى اللهِ ﴾ ويؤخذ من ذلك معنيان مهمّان:
المعنى الأول: الإخلاص لله تعالى، وهذا تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فالدعوة إلى الله تعالى من أجل العبادات، والإخلاص شرطٌ في قبول العبادات، وفاعلية بركتها.
والمعنى الثاني: أن الدعوة لله تعالى؛ لا إلى حزبٍ ولا عرقٍ ولا طائفةٍ ولا لونٍ ولا إقليم، وإنما هي إلى الله تعالى، وإلى دينه.
الطرف الثاني: من قوله تعالى: ﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾ يؤخذ من ذلك معنيان مهمان أيضاً:
المعنى الأول: المتابعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا تحقيق شهادة أن محمداً رسولُ الله، فالدعوة إلى الله تعالى من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) متفق عليه.
والمعنى الثاني: أن الدعوة إلى الله تعالى على علم، فلا تجوز الدعوة إلى الله تعالى على جهل، والجاهل يفسد أكثر مما يصلح، ولو سكت الجاهل لصلح حال الناس، وكلما زاد علم المرء كلما زادت المنفعة بدعوته.
ثم بعد هذا؛ لا يدخل الداعي في قوله تعالى: ﴿ أنا ومن اتبعنِ ﴾ إلا بهذين الطرفين، ويُحرم من هذه الفضيلة ثلاثة أشخاص:
أولهم: صاحب علمٍ وبصيرة؛ كانت دعوته لغير الله تعالى من حظوظ النفس والدنيا، فهذا ليس من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم صدقاً وعدلا، وفي جنس هؤلاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله أبي يغترون أم علي يجترئون فبي حلفت لأبعثنَّ على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيران) رواه الترمذي وغيره.
ويدخل في هذا الباب من كان صاحب علم، آتاه الله تعالى نوراً من العلم فلم ينتفع به ولم ينفع به الناس، فتقاعس عن الدعوة إلى الله تعالى وأخلد إلى الأرض، وضرب الله في جنس أولئك مثلاً بالغ الترهيب، فقال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ﴾ (الأعراف : 175 – 177).
وأولئك من جنس (المغضوب عليهم) وهم اليهود الذين نستعيذ بالله من سبيلهم في كلّ صلاة، فلديهم علم بلا عمل، والدعوة من أفضل العلم وأحسنه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ ﴾ (فصِّلت:33) .
والثاني: صاحب إخلاص وحسن نية، ولكنّه جاهل بدين الله تعالى، يفسد أكثر مما يُصلح، فيَضلّ ويُضِلّ، وبه تكون الفتن في آخر الزمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) متفق عليه.
ومن جنس هؤلاء الخوارج الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم وقال لأصحابه: (يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) متفق عليه.
ومن هذا الجنس (الضالون) وهم النصارى الذين نستعيذ بالله من سبيلهم في كلّ صلاة، فلديهم عمل وعبادة بلا علم، فضلوا عن السبيل.
والثالث وهو أسوأهم حالاً: صاحب جهل وفساد نية، فجمع حشفاً وسوء كيلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
وخير السبل سبيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي اجتمع فيه صدق الإخلاص لله تعالى، مع صدق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأهلية العلم للدعوة إلى الله تعالى.
منقول من موقع الإسلام
بدر بن علي بن طامي العتيبي