تعريف عام
المسجد الأقصى هو الاسم الإسلامي للمعبد العتيق في أرض فلسطين، فهو مسجد قديم قدم البشرية، بناه آدم عليه السلام بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، وعاش في أكنافه معظم الأنبياء والمرسلين، وعلى رأسهم الخليل إبراهيم عليه السلام.
والمسجد الأقصى عند العلماء والمؤرخين أشمل من مجرد البناء الموجود الآن بهذا الاسم، فكل ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب يعتبر مسجدا بالمعنى الشرعي، فإليه تشد الرحال وفيه تضاعف الصلوات.

فالمسجد الأقصى المبارك هو كامل المساحة المسوَّرة بالخط الاحمر في الصورة المرفقة اعلاه والواقعة داخل البلدة القديمة بالقدس الشريف بشكل شبه مستطيل، ويشمل قبة الصخرة المشرفة والجامع القبلي ( المسجد ذا القبة الرصاصية السوداء) ،وكل هذه الساحات والآبار والقباب والسبل هي المسجد الأقصى المبارك.
تاريخ البناء
يعتقد أغلب العلماء أن الملائكة أو آدم عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى، بعد أن بنى المسجد الحرام بأربعين سنة، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: "قلت يا رسول الله: أي مسجد وُضِع في الأرض أولا؟ قال المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت كم بينهما؟ قال: أربعون سنة" [البخاري ومسلم].
وبعد الطوفان الذي غمر الأرض في عهد نوح عليه السلام، لم يبق لبناء آدم أثر.
لقد بات معروفًا بين الباحثين والمختصين في العمارة الإسلامية ، أن مبنى المسجد الأقصى المبارك الحالي، هو المسجد الأقصى الثاني، باعتبار أن المسجد الأقصى الأول (القديم) هو ذاك الذي بناه الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب (13-23 هجرية/ 634-644 ميلادية)، بعد الفتح الإسلامي لبيت المقدس سنة 15هجرية/ 636 ميلادي،حيث كان يقوم في الجهة الجنوبية الشرقية للحرم الشريف والذي امتاز بناؤه بالبساطة المتناهية، وعلى ما يبدو أن هذا المسجد لم يصمد طويلًا أمام تقلبات العوامل الطبيعية المؤثرة وذلك لبدائية إنشائيته، حتى قام الأمويون بتأسيس وبناء المسجد الأقصى الحالي.
بنى المسجد الأقصى المبارك الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (86-96 هجرية/ 705-715ميلادية) ، في الفترة الواقعة ما بين (90-96 هجرية/ 709-714ميلادية) فقد أكدت ذلك وثائق البردى (أوراق البردى) التي احتوت على مراسلات بين قرة بن شريك عامل مصر الأموي (90-96هجرية/ 709-714ميلادية) وأحد حكام الصعيد، حيث تضمنت كشفًا بنفقات العمال الذين شاركوا في بناء المسجد الأقصى، مما يؤكد أن الذي بنى المسجد الأقصى هو الخليفة الوليد بن عبد الملك.
يتألف المسجد الأقصى من رواق أوسط كبير يقوم على أعمدة رخامية ممتدًا من الشمال إلى الجنوب، يغطيه جملون مصفح بألوان الرصاص وينتهي من الجنوب بقبة عظيمة الهيئة والمنظر، كروية الشكل تقوم على أربعة دعامات حجرية تعلوها أربعة عقود حجرية، نتج عنها أربعة مثلثات ركنية لتكون بمثابة القاعدة التي تحمل رقبة القبة والقبة نفسها والتي تتكون من طبقتين (قبتين: مثل قبة الصخرة المشرفة) داخلية وخارجية، زينت من الداخل بالزخارف الفسيفسائية البديعة، وأما من الخارج فقد تم تغطيتها بصفائح النحاس المطلية بالذهب (مثل قبة الصخرة)، ولكنها استبدلت حديثًا بألواح من الرصاص، وذلك للزوم أعمال الترميم التي تمت فيها على يدي لجنة إعمار قبة الصخرة والمسجد الأقصى المبارك.
ويحف الرواق الأوسط من كلا جانبيه الغربي والشرقي، ثلاثة أروقة في كل جانب جاءت موازية له وأقل ارتفاعًا منه. أما الأروقة الواقعة في القسم الغربي، فقد غطيت بالأقبية المتقاطعة المحمولة على العقود والدعامات الحجرية والتي تم إنشاؤها في الفترة المملوكية. وأما القسم الشرقي فقد غطي بسقوف خرسانية تقوم على أعمدة وعقود حجرية، تم ترميمها وإعادة بنائها على يدي المجلس الإسلامي الأعلى (1938-1943م)(4).
ويدخل إلى المسجد الأقصى من خلال أبوابه السبعة التي فتحت في واجهته الشمالية والذي يؤدي كل منها إلى إحدى أروقة المسجد السبعة، هذا ويتقدم الواجهة الشمالية المذكورة، واجهة أخرى عبارة عن رواق تمت إضافته في الفترة الأيوبية والذي يمتد من الشرق إلى الغرب، يتألف من سبعة عقود حجرية تقوم على دعامات حجرية. وعوضًا عن تلك الأبواب السبعة، فقد فتح بابان آخران في كل من الجهة الغربية والشرقية للمسجد، وباب واحد في الجهة الجنوبية وذلك في فترات متأخرة.
الأسماء القديمة للقدس
تذكر معاجم الكتاب المقدس أقدم اسم للمدينة في (نصوص الطهارة) المصرية في القرن التاسع عشر قبل المسيح بصورة (يورشاليم) أو (أورشاليم) وقد يظن البعض أن (أورشاليم) اسم عبري، أو اسم اختاره العبريون لمدينة القدس، لكن الحقيقة المؤكدة على خلاف هذا تماما، فـ أورشاليم اسم كنعاني : من لغة كنعانية، واختاره لها الكنعانيون، ودخل عليه بعض التحريف على لسان العبرانيين، فهو في الأصل (أورسالم)، أي مدينة سالم، أو مدينة إله السلام، ولكن تحول السين إلى شين على لسان العبريين.
وقد أوردت آثار الأمم القديمة المكتشفة هذا الاسم بصور مختلفة، فالأواني المكتشفة من عهد سنوسرت الثالث (القرن 19 ق.م) تسميها (أورشاليموم)، ورسائل تل العمارنة (القرن 14 ق.م) تنطقها (يوروساليم) وأما مخطوطات سنحاريب الآشورية فقد أوردت اسم القدس هكذا : (يوروسليمو).
وقد سبق اسم (يبوس) إلى الوجود كل الأسماء التي حملتها المدينة، حيث نسبها البناة الأوائل إلى أنفسهم.
ومن الأسماء القديمة أيضا (القدس)، وقد ورد لدى المؤرخ والرحالة اليوناني الشهير هيرودوت (484 ـ 425 ق.م) هكذا : (قديتس).
وللقدس أسماء عديدة فهي : صهيون ، ومدينة داود ، وأريئيل، وموريا، وإيلياء وتنطق إيليا، ونادرا إليا، أو بيت المقدس، ولكل اسم من أسماء قصة وحكاية قلكثرة الغزاة على المدينة كثرت أسماؤها وتعددت فكل غاز كان يسميها باسم والجامع أو العامل المشترك بينهما هذه الأسماء أنها كلها مقدسة كل اسم كان مقدسا عند من أطلقوها وذلك دليل على مكانتها.
فضائل المسجد الأقصى وبيت المقدس في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفه
كثرت فضائل الأقصى وبيت المقدس في القرآن الكريم والسنة الشريفة، حتى وجدنا عدداً من الكتب ألفها العلماء في فضائلهما، بلغت حتى القرن الثاني عشر الهجري (49) كتاباً ورسالة على الأقل، والمتتبع لفضائل الأقصى وبيت المقدس يجدها كثيرة، وهذه الفضائل تدل دلالة واضحة على أهمية هذه البقعة، وتوجب على المسلمين في شتى بقاع العالم المحافظة عليها، وعمارتها وصيانتها، وإنقاذها من أيدي أعدائها، حتى تخفق عليها راية الإسلام إن شاء الله تعالى خاصة في هذه الأيام التي يجثم العدو على صدرها، وينتهك حرماتها، ويعمل ليل نهار على طمس هويتها ومعالمها بالحفريات والتدمير، وبناء المستوطنات، وتزييف الحقائق والتاريخ، ومن هذه الفضائل ما يلي :
إنها أرض الأنبياء، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه، وفيها صلى النبي صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج، وأنّها قبلة المسلمين الأولى.
ومن فضائلها أن الله قد حباها بالبركة والقداسة، لقوله تعالى : "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" ( 1 ). كما أن الرسول صلى الله عليه قد دعا لها بالبركة في قوله "اللهم بارك لنا في شامنا" وبيت المقدس هي سرة بلاد الشام،. وهذه البركة الثابتة لهذه الأرض تتوسع وتشع في دوائر حول المسجد الأقصى، وتتعدد هذه الدوائر وتكبر، فنواة البركة ومحورها المسجد الأقصى، وبيت المقدس، ودوائر هذه البركة متلاحقة لتشمل كل الأرض المقدسة الواقعة ما بين النهرين الإسلاميين : الفرات والنيل (2 ).
ومن فضائلها أن الصلاة في مسجدها أفضل من خمسمائة صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي(3 )، وسيأتي مزيد بيان لذلك في الأحكام الفقهية الخاصة بالمسجد الأقصى .
إنها أرض المحشر والمنشر، لما ورد أن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : "يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال : "أرض المحشر والمنشر"( 4 ).
إنها أحب إلى المسلم من الدنيا وما فيها لقوله صلى الله عليه وسلم : ".. ولنعم المصلى، هو – أي المسجد الأقصى – وليوشكنّ أن يكون قوسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً" (5).
ومن فضائلها نصح النبي بسكناها، فقد وردت أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نصح صحابته بسكنى الشام، وبيت المقدس جزء منها، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة ومعاذ، رضي الله عنهما، وهما يستشيرانه في المنزل، فأومأ إلى الشام، ثم سألاه فأومأ إلى الشام، ثم قال : "عليكم بالشام، فإنها صفوة بلاد الله عز وجل يسكنها خيرته من خلقه.. فإن الله تكفل لي بالشام وأهله" ( 6 ).
ومن فضائلها أن أهلها طائفة الحق الظاهرين عليه، لما روى أبو أمامة الباهلي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم.. قالوا : فأين هم ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" (7 )، وسيبقى أهلها كذلك إن شاء الله تعالى، وما نراه من احتلال الأعداء لها فهي فترة وتنقضي بإذن الله تعالى، وقد احتلها الصليبيون قبل ذلك مئة عام ثم زال حكمهم .
التعديل الأخير: