من غرائب الكنايات الواردة على سبيل الرمز و التي لا يفصح عنها المتخاطبون صراحة و تبقى بينهم مثل ألغاز و شفرات فك رموزها عندهم هم و قد لا يفطن لها الآخرون و هذه القصة تجسيد رائع لهذا الأمر.تابعوا
: يحكى أن بعض الملوك التفت وهو على أعلى قصره فرأى امرأة على سطح دار وكانت جميلة جداً . فقال الملك لبعض جواريه : لمن هذه المرأة . فقالوا للملك : هذه زوجة غلامك فيروز . فنزل الملك وقد شغفه حبها فاستدعى غلامه وقال له : يا فيروز . قال : لبيك يا مولاي . قال : خذ هذا الكتاب وامض به إلى البلد الفلانية وائتني بالجواب فأخذ الغلام الجواب وتوجه إلى منزله فوضع الكتاب تحت رأسه وجهز نفسه للسفر فلما أصبح ودع أهله وسار طالباً حاجة الملك ولم يعلم بما دبره الملك . أما الملك فإنه توجه إلى دار غلامه فقرع الباب قرعاً خفيفاً . فقالت امرأة الغلام : من بالباب ؟ قال : أنا الملك سيد زوجك ففتحت له فدخل فقالت له : أرى مولانا عندنا اليوم . قال : جئت زائراً . فقالت : أعوذ بالله من هذه الزيارة وما أظن فيها خيراً . فقال لها : ويحك إنني أنا الملك وسيد زوجك وما أظنك عرفتني ؟ قالت : بل عرفتك يا مولاي ولكن سبقك الأوائل في قولهم : سأترك ماءكم من غير ورد وذلك لكثرة الوارد فيه . إذا سقط الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه . وتجتنب الأسود ورود الماء إذا كان الكلاب
ولغن فيه . ثم قالت : أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه . فاستحيا الملك من كلامها وخرج وتركها ونسى نعله في الدار . أما الغلام فإنه لما خرج لحاجة سيده وسار تفقد الكتاب فلم يجده معه فتذكر أنه نسيه تحت فراشه فرجع إلى داره فوجد نعل الملك في الدار فطاش عقله وعلم أن الملك لم يرسله في هذا السفر إلا لأمر يفعله . فسكت ولم يبد كلاماً وأخذ الكتاب وسار إلى حاجة الملك فقضاها ثم عاد إليه فأنعم الملك عليه مائة دينار فمضى إلى السوق واشترى ما يليق بالنساء وهيأ هدية حسنة وأتى إلى زوجته فسلم عليها وقال لها : قومي إلى زيارة بيت أبيك . قالت : لماذا ؟ قال : إن الملك أنعم علي وأريد أن تظهري لأهلك ذلك فقامت وتوجهت إلى بيت أبيها ففرحوا بها وبما جاءت به معها فأقامت عند أهلها شهراً فلم يسأل عنها زوجها ولم يذكرها . فأتى إليه أخوها . وقال : إما أن تخبرنا بسبب غضبك وإما أن تحاكمنا إلى الملك فقال فيروز : إن شئتم الحكم فافعلوا فما تركت لها علي حقاً فطلبوه إلى الحكم . فأتى معهم إلى القاضي وهو إذ ذاك جالساً إلى جوار الملك فقال أخو الزوجة : مولانا قاضي القضاة إني أجرت هذا الغلام بستاناً سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة وأشجار مثمرة فأكل ثمره وهدم حيطانه وأخرب بئره . فالتفت القاضي إلى الغلام وقال له : ما تقول يا فيروز ؟ فقال : أيها القاضي قد تسلمت البستان
وسلمته إليه أحسن ما كان . فقال القاضي : هل سلم إليك البستان كما كان . قال : نعم ولكن أريد معرفة السبب لرده . قال القاضي : ما تقول يا فيروز . فقال : والله يا مولاي ما رددت البستان كراهة فيه وإنما جئت يوماً من الأيام فوجد فيه أثر الأسد ( يعني نعل الملك ) فخفت أن يغتالني الأسد فحرمت دخول البستان إكراماً للأسد وكان الملك متكئاً فاستوى جالساً وقال : يا غلام ، ارجع إلى بستانك آمناً مطمئناً فوالله إن الأسد دخل البستان ولم يؤثر فيه أثراً ولا التمس منه ورقاً ولا ثمراً ولا شيئاً ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة وخرج من غير بأس ووالله ما رأى الأسد مثل بستانك ولا أشد احترازاً من حيطانه على شجره . فرجع الغلام إلى داره ورد إليه زوجته ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء مما حدث
وهذا كله من غرائب الكنايات الواردة على سبيل الرمز