هي قصة حدثت وقائعها في أوائل الثلاثينات من هذا القرن..
إنها قصة طريفة تؤكد أن قصائد الشعر يمكن أن تكون وسيلة واقعية فعالة للحب والسعادة الزوجية، ويمكن أن تمنع كثيراً عن المشاكل وعلى رأسها الطلاق..
إنها قصة سيدة مصرية كانت متزوجة من ضابط بوليس كبير، ولكن الزوج هجر زوجته فجأة وابتعد عنها وأخذ يفكر في الطلاق منها وإنها حياته الزوجية معها.
كان ذلك سنة 1934..
وفكرت السيدة التي كانت تحب زوجها أشد الحب. ماذا تفعل في هذه المحنة التي تواجهها، هل تنتظر حتى تتلقى ورقة من زوجها تقول لها: أنت طالق؟ هل تكتفي بالبكاء والدموع، ومواجهة المصيبة بموقف سلبي؟..
كانت هذه السيدة مثقفة، تقرأ بكثرة، وكانت شاعرة تكتب الشعر لنفسها، وإن لم تكن تنشره..
وعندما واجهتها المحنة، وهجرها زوجها، وأصبحت على حافة الطلاق فكرت في سلاح تقف به في وجه هذه الظروف الصعبة.
وقررت أن تستخدم سلاح الشعر..
قررت أن تكتب قصيدة تستميل بها قلب زوجها وتناقشه فيها وتدعوه للعودة إليها،وتناقشه وتدعوه للعودة إليها..
وأرسلت الشاعرة هذه القصيدة إلى إحدى المجلات الأدبية الكبرى التي كانت تصدر في مصر ووقعت القصيدة باسمها الكامل وهو: منيرة توفيق حرم الصاغ محمد ماهر رشدي مأمور بندر الزقازيق.
وجعلت الشاعرة عنوان القصيدة صريحا لا لف فيه ولا دوران، وكان هذا العنوان هو: "إلى زوجي الفاضل".
ونشرت المجلة الأدبية هذه القصيدة بعد أن وصفتها بأنها "قصيدة طريفة من الأدب النسوي الجميل".
ولم تلجأ منيرة في هذه القصيدة إلى أي رمز أو إخفاء لمشكلتها بل عرضت هذه المشكلة بشكل صريح مباشر، وبدأت قصيدتها بوصف حالة الحزن والقلق التي تعيش فيها بسبب هجران زوجها الحبيب فقالت:
طال السهاد وأرقت ... عيني الكوارث والنوازل
لما جفاني من أحب ... وراح تشغله الشواغل
وطوى صحيفة حبنا ... وأصاخ سمعا للعواذل
يا أيها الزوج الكريم .. وأيها الحب المواصل
ما لي أراك معاندي ... ومعذبي من غير طائل
لم ترع لي صلة الهوى ... وهجراني والهجر قاتل
هل رمت أن تغدو طليقاً ... لا يحول هواك حائل
أو رمت غيري زوجة؟ ... يا للأسى مما تحاول
إن تبغ مالا فالذي ... تدريه أن المال زائل
أو تبغ أصلا فالتي ... قاطعتها بنت الأماثل
أو تبغ حسناً فالمحاسن ... جمة عندي مواثل
أو تبغ آداباً فأشعاري ... على أدبي دلائل
أنا ما حفظت سوى الوفاء ... ولا ادخرت سوى الفضائل
وأنا، ولي شرف العفاف ... أعد مفخرة المنازل
فجزيتني شر الجزاء... وكنت فيه غير عادل
أنسيت عهداً قد مضى ... حلو التواصل والتراسل
أيام تبذل من وسائل ... أو تنمق من رسائل
وتبث معسول المنى ... وتمد أسباب التحايل
ولبثت تغريني بما ... تبديه من غر الشمائل
فحسبت أن الدهر أنصفني... وأن السعد ماثل
ظناً بأنك لم تكن لا بالعقوق ولا بالمخاتل
ماذا جرى فهجرتني ... والحب شيمته التساهل
عاشرت أهل السوء ... فاقتنصوك في شر الحبائل
ومضيت تطلب بينهم... عيش المقيد بالسلاسل
ورضيت هجر خليلة ... لما تزل خير الحلائل
والله ما فكرت يوما ... في جفاك ولم أحاول
فجفوت يا قاسي الطباع ... ولم تدار ولم تجامل
فاعلم بأنك قاتلي ... والموت فيما أنت فاعل
أين المسائل والمواصل... في العشي وفي الأصائل
أين المودة في الهوى ... بيني وبينك "بالتبادل"
أين الحديث العذب منك... وأين ولي سحر بابل
إني أسائل أين عهدك ... في الهوى إني أسائل
أعلمت ما فعل النوى... بي، أم أنت ذاهل
فاربأ بنفسك وانهها ... وارجع إلى زين العقائل
و كانت النتيجة هي تعاطف الرأي العام معها بعد ان قرئوا القصيدة هذه مما شكل ضغطاً على الزوج جعله يعيد حساباته جيداً مع زوجته و تعود الأمور بينهما كما كانت و عاشوا بهناء و سعادة.