
أحبتي في منتدى حب العرب..تحية طيبة.
كم يوجد في عالمنا المعاصر و عبر قرون مضت من تتصيد الجوائز و لو كان الثمن سفك دماء الناس. لذلك احببت أن أورد مثالاً على ذلك لصائد جوائز أنفت نفسه و عفت عن الأموال و ترك من ظفر به لوجه الله تعالى. حيث حكى مروان بن أبي حفصةَ الشاعر قال:
أخبرني معن بن زائدة،و هو يومئذٍ متولي بلاد اليمن_يعني والياً عليها_ بأن المنصور جَدَّ في طَلبي و جعلَ لمن يحملُني إلَيهِ مالاً، قال:فأضطررتُ لِشدةِ الطلبِ إلى أن تعرضتُ لِلشمس حتى لَوحَت وجهي_يعني تغير لونه من حرارة الشمس_ و خَففَت عارضي_أي خده_ و لبستُ جبةَ صوفٍ،و ركبتُ جملاً و خرجتُ متوجِهاً إلى الباديةِ لأُقيم بها، قال: فلما خرجتُ من بابِ حرب، و هو أجد أبواب بغداد،تبعني أسودٌ متقَلِدٌ بِسَيفٍ حتى إذا غِبتُ عنِ الحَرَسِ قبضَ على خِطامِ الجملِ فَأناخهُ، و قبضَ على يدي، فقلتُ لهُ: ما بِك؟
فقالَ:أنتَ طُلبةُ أميرِ المؤمنينَ؟
فقلتُ:و من أنا حتى أُطلَب؟
فقالَ: أنتَ معنُ بنُ زائدَة.
فقلتُ لهُ: يا هذا إتَقِ اللهَ عزَ و جلَ و أينَ أنا من معن؟
فقالَ:دَع هذا، فَوَ اللهِ إنَّي لأعرَفُ بِكَ مِنكَ! فلما رَايتُ منهُ الجِدَّ قلتُ لهُ: هذا جوهرٌ قَد حَملتُهُ معي بِأضعافِ ما جعلهُ المنصورُ لِمَن يجيئَهُ بي،فَخُذهُ و لا تكن سبباً في سَفكِ دَمي.
قالَ:هاتِهِ، فَأخرَجتُهُ إليه، فنَظَرَ فيه ساعَةً و قال: صدقتَ في قيمَتِهِ، و لَستُ قابلُهُ حتى أسألكَ عن شَيءٍ فَإن صَدقتَني أطلَقتُك!
فقلتُ: قُل.
فقالَ: إنَّ الناسَ قَد وصفوكَ بِالجودِ،فأخبرني هل وهبتَ مالَكَ كلَهُ قَط؟
قلتُ: لا
قالَ: فَنِصفَهُ؟ قلتُ: لا قالَ: فَثُلُثَهُ؟ قلتُ: لا ، حتى بلغَ العُشرَ فاستَحيَيتُ و قلتُ: أظنُ أني قد فعلتُ هذا.
قال: ما ذاكَ بِعَظيم،أنا و اللهِ راجِل و رزقي من أبي جعفرِ المنصورِ كلَ شهرٍ عشرونَ درهماً، و هذا الجَوهرُ قيمَتُهُ ألوفُ الدنانيرِ من هوَ أجودُ منكَ، فلا تُعجِبكَ نفسُك و لتَحقِر بعدَ هذا كُلَ جودٍ فعلتَهُ و لا تَتَوقَف عن مَكرُمة.
ثُمَّ رمى العِقدَ في حِجري و تركَ خطامَ الناقةِ و ولى منصرفاً، فقلتُ يا هذا، قَد و الله فَضَحتَني، و لسفكُ دَميَ أهونُ عليَّ مِمّا فَعَلت! فَخُذ ما دَفَعتُهُ لَكَ فَإنّي غَنِيٌّ عَنهُ، فَضَحِكَ و قال: أردتَ أن تَكذِبَني في مقالي هذا،و اللهِ لا أخذتُهُ و لا آخِذ لِمَعروفِكَ ثَمَناً أبَداً، و مضى لِسَبيلِهِ، فَوَ اللهِ لَقَد طلَبتُهُ بعدَ أن أَمِنتُ، و بذلِتُ لِمَن يَجيءُ بهِ ما شاء، فما عَرفتُ لهُ خبراً، و كأن الأرضَ ابتَلَعتهُ.
الأربعاء, 08 كانون*الثاني, 2014