يقول المثل: بأن مقتل الرجل بين فكيهِ، و ما أصدق هذا المثل تحققا في الناس و منهم أكثر الناس قولاً و مقولاً.و منهم الشعراء الذين لا تهدأ حناجرهم و لا تكل أناملهم عن الكتابة و نظم الأشعار، إلا أنها في أحيانٍ كثيرة قد تكون وبالاً عليهم و مغرماً بدلا من أن تكون شهرة لهم و مغنما. و ما سيأتي الآن من وقائع دليل على هذا الكلام..تابعوا معي...
1. المتنبي/ هذا الشاعر الكبير قتلته أبيات قالها في رجل من بني اسد يدعى ضبة، فقد هجاه بقصيدة يقول مطلعها:
ما انصف القوم ضبة وامه الطرطبّة***فلا بمن مات فخر ولا بمن عاش رغبة!
فترصد له بنو اسد في الطريق ليقتلوه. وحين رآهم هرب منهم فقال له ابنه: يا أبه وأين قولك:
الخيل والليل والبيداء تعرفني***والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فكان إبنه هو من أورده التهلكة بكلامه هذا و ليته كان ليسكت
فقال المتنبي : قتلتني يا ابن اللخناء، فعاد ادراجه ليحارب فقتل وطار رأسه
**********************
2. دعبل الخزاعي/ و هو شاعر معروف أيضا كان كلما اتى خليفة من بني العباس هجاه بقصيدة فحين تولى المأمون هجاه وتوعد بقتله- ولكن المأمون عفا عنه... ثم اتى المعتصم( ثامن الخلفاء) فهجاه بقوله:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة***ولم تأتنا في ثامن منهم الكتب
كذلك أهل الكهف في الكهف***سبعة وثامنهم عندنا كلب
وأني لأجزي الكلب عن ذكره بكم***لأن لكم ذنب وليس للكلب ذنب!
و يا لها من جرأة لا أظن بأن أحداً قد سبقه إليها.
فسمع بها المعتصم فتوعده ففر الى خراسان. وهناك تعرض للوزير مالك بن طوق فارسل له من اغتاله استنصاراً للمعتصم
*****************************
3. الأعشى الهمداني/ الذي هجا الحجاج بن يوسف بقصيدة قال فيها:
بين الاشج وبين قيس باذخ***بخ بخ لوالده والمولود
ما قصرت بك ان تنال العلا***أخلاق مكرمة وارث جدود
فقال الحجاج حين سمعها: والله لا ادعه يبخبخ بعدها، فاستدعاه وقتله
******************************
4.علي بن جبلة العكوك/و هو شاعر مدح الامير ابي دلف بسبعين بيتا اصبحت من عيون الشعر العربي.. وقد جاء في القصيدة قوله::
كل من في الارض من عرب***مستعيرا منك مكرمة يكتسبها يوم مفتخره
وحين وصلت القصيدة الى المأمون تملكته الغيرة وقال له: ماذا تركت لنا يا ابن الفاعلة ان استعرنا منه المكارم. ولكن المأمون خشي ان يقول الناس قتل الشاعر بدافع الغيرة فاستشار من حوله فاخبروه ان له مدائح تقدح في الشرع من ضمنها:
انت الذي تنزل الايام منزلها ***وتنقل الدهر من حال الى حال
وما مددت باقلام لها شبهة***الا قضيت بأرزاق وآجال!
ولأن هذا لا يكون إلا لله تعالى وحده، وجدها المأمون حجة لقتله.. فقطع رأسه.
فما أحرى بمن يكتب في هذا الباب أن يبتعد عن هكذا نوع من ألفاظ و مفردات تجرح مشاعر الآخرين و فوق ذلك يحاسب عليها غدا من رب العالمين و يجد في صحيفته كل ما قاله دون أن تغادرها صغيرة و لا كبيرة.
مع أطيب الأمنيات